الديمقراطية والإسلام- هوية الشعوب ومرجعيتها في عالم متغير

المؤلف: محمد مختار الشنقيطي08.17.2025
الديمقراطية والإسلام- هوية الشعوب ومرجعيتها في عالم متغير

تشير دراسات أكاديمية غربية حديثة إلى وجود فصل جوهري ومعرفي وتاريخي بين مفهومي الديمقراطية والعلمانية، مما يتناقض مع الترويج المضلل الذي تمارسه بعض النخب العربية، المنفصلة عن قيم ومبادئ شعوبها. هذه الدراسات تؤكد بجلاء أنه لا يوجد ارتباط ضروري بين الديمقراطية والعلمانية، بل إن الأنظمة الدكتاتورية الأكثر شراسة في القرن العشرين كانت غالبا علمانية، مثل أنظمة ستالين وهتلر وموسوليني، أو حتى الأنظمة العربية المشابهة مثل نظامي حافظ الأسد وصدام حسين. تجاهل هذه الحقائق التاريخية من قبل دعاة الربط بين الديمقراطية والعلمانية في العالم العربي يعكس نقصا في الاطلاع على النقاشات النظرية الغربية حول هذه المسألة، وعدم إدراك لأهمية الدين في دساتير مختلف الدول، كما بينَّا ذلك بالتفصيل في مقال سابق بعنوان "المسيحية ديانة رسمية".

لقد آمن الثوار الأميركيون بأن "التمرد على الاستبداد هو طاعة لله"، وأن الدين قد قدم لهم -قبل الثورة وبعدها- المبادئ الأخلاقية والسياسية التي أرست دعائم الأمة الأميركية الجديدة.

على الرغم من أن المسيحية، في جوهرها، ليست ديانة سياسية، إلا أنها أثرت بعمق في التطور الديمقراطي الغربي، خاصة بين الشعوب ذات الخلفية البروتستانتية. هذا التأثير يختلف عن الكاثوليكية الفرنسية المتشددة التي دعمت الملكية المطلقة ضد الثورة الفرنسية. هذا الأمر يتناقض مع الرواية العلمانية العربية، ذات الجذور الفرنسية، التي تحصر أصول الفكرة الديمقراطية في التراث اليوناني والروماني، متجاهلة الدور المحوري للدين.

لاحظ الفيلسوف هيغل في كتابه "العقل في التاريخ" أن "الكنيسة البروتستانتية تنظر إلى الحياة بأكملها كمجال للعمل الديني". هذا التداخل بين الديني والدنيوي في المذهب البروتستانتي أدى إلى توافق الديمقراطية مع الدين، حيث تحرر المذهب البروتستانتي من سلطة الكهنوت البابوي والوصاية على الضمائر. تجسد هذا التلاحم بين الدين والحرية في الثورة الإنجليزية (1642-1688)، التي كانت بمثابة الشرارة الأولى للثورات السياسية الحديثة. رفعت راية ويليام الثالث ملك إنجلترا، المعروف أيضا باسم "ويليام أوف أورانج"، شعارات واضحة عند غزوه إنجلترا لإقامة أول ملكية دستورية في التاريخ عام 1688: "من أجل الحرية، من أجل الدين البروتستانتي، من أجل البرلمان".

تكرر هذا التلاحم الوثيق بين الدين والحرية في الثورة الأميركية (1776-1783)، وهو ما أكده توماس كيد، أحد أبرز المؤرخين المختصين في التاريخ الديني الأميركي. في كتابه "رب الحرية: تاريخ ديني للثورة الأميركية"، بيَّن كيد كيف كان الثوار الأميركيون يعتبرون "التمرد على الطغاة طاعة لله"، وأن "الدين -قبل الثورة وبعدها- وفر المبادئ الأخلاقية والسياسية التي شكلت الأمة الأميركية الجديدة". ليس من المستغرب أن يذكر إعلان الاستقلال الأميركي في مقدمته أن الحقوق الإنسانية الطبيعية هي "منحة إلهية"، بدلا من وصفها بـ "حقوق طبيعية" كما هو شائع في الفلسفة السياسية الأوروبية. الفيلسوف السياسي الفرنسي ألكسيس دي توكفيل (1808-1859) كان من أوائل من لاحظوا هذا الجمع بين الإيمان والحرية في نشأة الجمهورية الأميركية. في كتابه المؤثر "الديمقراطية في أميركا"، توصل إلى خلاصة مفادها أن "الاستبداد ممكن بدون إيمان، أما الحرية فلا".

إن أقرب المذاهب المسيحية إلى الإسلام في هذا التكامل بين الإيمان والحرية هو المذهب البروتستانتي، وذلك بسبب استيعاب البروتستانتية لواقعية العهد القديم والتراث السياسي الموسوي. هذا التشابه لم يغب عن المفكر السياسي علي عزت بيغوفيتش، الذي كتب في كتابه القيّم "الإسلام بين الشرق والغرب": "لقد احتوى القرآن واقعية التوراة... ومن هذه الناحية تعتبر المسيحية البروتستانتية أقرب إلى الإسلام من الكاثوليكية". إن حالة التلاحم بين الدين والحرية في تاريخ الثورة الأميركية تشبه الإلهام الذي قدمه الإسلام للشعوب المسلمة في حروب التحرير الوطني ضد الاستعمار الغربي، كما تجلى في الثورة الجزائرية المجيدة (1954-1962) ضد الاستعمار الفرنسي. وكذلك إلهام الإسلام لهذه الشعوب في صراعها الحالي من أجل الحرية السياسية، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي. لقد كان الإسلام -وسيظل- الدرع الواقي للشعوب ومصدر إلهامها في أوقات الشدة.

في السنوات الأخيرة، بدأ عدد من المفكرين الغربيين في استكشاف الجذور المسيحية لليبرالية الغربية، والكشف عن الخلفيات المسيحية التي أثرت في بعض فلاسفة السياسة الغربيين البارزين، مثل الإنجليزي جون لوك (1632-1704). يندرج في هذا السياق كتاب كيم يان باركر "سياسة جون لوك الإنجيلية"، وهو من منشورات الأكاديمية الكندية للدراسات الدينية. لم يعد العديد من المسيحيين المتدينين في الغرب يقبلون بتهميش الدين المسيحي في المجال العام، بل يطالبون بإنهاء احتكار الخطاب العلماني للحيز العام، ومنح الخطاب الديني والقوى المتدينة حقها الطبيعي في المجتمع الديمقراطي. بل إن بعضهم يدعو علنا إلى ديمقراطية غير علمانية في المجتمعات الغربية ذات الخلفية المسيحية.

توصل العديد من الباحثين الغربيين المعتدلين إلى أن تطور دول العالم الإسلامي وفقا لقوانينها الطبيعية الخاصة يؤدي بشكل طبيعي إلى الأسلمة الدستورية والسياسية، ما لم يتم عرقلة ذلك عن طريق قمع داخلي، أو تدخل خارجي، أو هيمنة للأقليات الدينية والعلمانية على روايات الهوية والذاكرة والمستقبل.

في هذا السياق، يأتي كتاب دانيل مولين "ديمقراطية بدون علمانية: نقد براغماتي لهابرماس"، حيث يدافع مولين بقوة عن حق الدين المسيحي في التعبير عن نفسه في المجال العام، وعن حق القوى السياسية المسيحية في التعبير عن خياراتها السياسية ذات المرجعية المسيحية بصراحة ووضوح، دون الحاجة إلى "ترجمة" تلك الخيارات إلى لغة علمانية، كما يشترط الفيلسوف الألماني الملحد هابرماس، الذي يتمسك بالوصاية العلمانية على المجال العام. أكد مولين على صعود الدين في المجال العام الغربي في العقود الأخيرة، ولاحظ رد الفعل العلماني المتشنج على ذلك، وجادل بقوة ضد احتكار العلمانية للخطاب السياسي وسعيها لتهميش الخطاب الديني، معتبرا ذلك خطرا على الديمقراطية الليبرالية. الخلاصة الأبرز التي توصل إليها مولين هي أن "الديمقراطية غير العلمانية تمنحنا فضاء أكثر ليبرالية" من الديمقراطية العلمانية.

وفي السياق العربي، أظهر المفكر الفلسطيني الدكتور رجا بهلول ببراعة وعمق أنه لا يوجد ترابط فلسفي بين الديمقراطية والعلمانية، وقام بتفكيك التعارض الوهمي المفترض بين "حكم الله" و"حكم الشعب" في أذهان البعض. من بين دراساته بحث بعنوان "ديمقراطية بدون علمانية: تأملات في فكرة الديمقراطية الإسلامية"، ودراسة بعنوان "الشعب مقابل الرب: منطق الحاكمية الإلهية في الخطاب الديمقراطي الإسلامي"، وكلتاهما باللغة الإنجليزية، كما تناول الموضوع بإيجاز في مقاله: "هل الديمقراطية تستلزم العلمانية؟" باللغة العربية.

توصل العديد من الباحثين الغربيين المحايدين إلى أن تطور دول العالم الإسلامي وفقا لقوانينها الطبيعية الخاصة يؤدي بشكل تلقائي إلى الأسلمة الدستورية والسياسية، ما لم يتم عرقلة ذلك من خلال قمع داخلي، أو تدخل خارجي، أو هيمنة الأقليات الدينية والعلمانية على سرديات الهوية والذاكرة والمستقبل. إن اتساع نطاق حضور الإسلام في الشأن العام يسير جنبا إلى جنب مع توسيع مساحة الحرية السياسية والحقوق الأساسية في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، وأن النضال من أجل الديمقراطية هو في الوقت نفسه نضال من أجل الحياة الإسلامية. هذا لا يتطلب سلطة قسرية، كما تعتقد جماعات التطرف والعنف الطائش، بل يتطلب شعوبا حرة مؤمنة بالإسلام وبإنسانية الإنسان. إن التناقض بين التدين المجتمعي والعلمانية السياسية هو ظاهرة مصطنعة في المجتمعات الإسلامية، وهي ظاهرة تمزق هذه المجتمعات وتحرمها من التصالح مع هويتها واستئناف حضارتها.

لقد نصت دساتير جميع الدول العربية -باستثناء لبنان- على أن الإسلام هو الدين الرسمي أو المرجع التشريعي، أو كليهما. ثم تباينت هذه الدساتير في التفاصيل المتعلقة بالإسلام. وحتى لبنان، ذو التنوع الديني المعقد، ينص دستوره على أن الدولة تؤدي "فروض الإجلال لله تعالى" (المادة 9)، ويمنع التعرض "لكرامة أحد الأديان أو المذاهب" (المادة 10). للأسف، هناك من يستغل حالة الإحباط والاستنزاف الحالية في العالم العربي لفرض سوابق دستورية تتعارض مع هذا التقليد السياسي العربي الراسخ، والنابع أصلا من قيم ومعتقدات الشعوب العربية. تظهر في العالم العربي مؤسسات أكاديمية وإعلامية جديدة تدفع بهذا الاتجاه غير العادل للأغلبية المسلمة، في ما يشبه حربا مفتوحة على المرجعية الإسلامية، والإصرار على إقصائها من المجال العام.

قد يتساءل البعض عن مدى جدوى النصوص الدستورية التي تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي أو المرجعية الأخلاقية والتشريعية، إذا كان هذا التنصيص لا يغير شيئا على أرض الواقع، في ظل أنظمة استبدادية لا تلتزم بالدساتير. هذا سؤال مشروع، فكلنا يعلم أن الدساتير العربية في معظمها حبر على ورق. وقد ألف ناثان براون، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن والمتخصص في الدساتير العربية، كتابه "دساتير من ورق" لتفسير هذه الحقيقة المؤسفة. معظم دساتير الدول العربية والإسلامية تندرج ضمن "الدساتير الزائفة" التي ناقشها الباحثان ديفيد لاو وميلا فرستيغ في دراستهما التي تحمل هذا العنوان، والتي تشير إلى الدساتير التي تعد بالكثير من الحقوق، لكن السلطة المسؤولة عن تطبيقها لا تفي بهذه الوعود.

وفقا لهذه الدراسة، لم تظهر أي دولة ذات أغلبية عربية أو مسلمة ضمن الدول العشر الأكثر التزاما بالحقوق والواجبات المنصوص عليها في دساتيرها خلال الفترة الزمنية التي غطاها الباحثان، وهي العقود الثلاثة الممتدة بين عامي 1980 و2010. في المقابل، ظهرت العديد من الدول ذات الأغلبية العربية أو المسلمة بين الدول الأقل التزاما بالحقوق والحريات المنصوص عليها في دساتيرها. يشير كل هذا إلى أن وجود دساتير مليئة بالقيم السياسية الإسلامية والحقوق والحريات الديمقراطية لا يكفي للحكم على مدى إسلامية نظام الحكم في تلك الدولة أو على ديمقراطيته. بل قد يبالغ الحاكم المستبد أكثر من غيره في التنصيص على مبادئ الإسلام والديمقراطية في الدستور، كتعويض عن الشرعية السياسية، وكتضليل للمسلمين العاديين المرتبطين بقيم دينهم. هذا يفتح الباب واسعا لاستخدام الدين في خدمة مصالح شخصية.

لكن من يتساءل عن قيمة النصوص الدستورية غير المطبقة يغفل حكمة مهمة لدى علماء الإسلام، وهي أن الحق الذي يُراد به الباطل لا يجعل الحق باطلا، ولا الباطل حقا، وأنه لا ينبغي أن يقلل من قيمة الحق توظيف بعض الناس له في خدمة الباطل. إن حقيقة أن الأنظمة المستبدة تنافق شعوبها من خلال التنصيص على الإسلام في الدستور دون أي التزام عملي بذلك لا يعني أن التنصيص على الإسلام هو خطأ في حد ذاته، بل هو من الحق الذي يُراد به الباطل، والعلاج هو التمسك بالحق وتجنب استخدامه في خدمة الباطل. هذا ينطبق على جميع المبادئ الدستورية، سواء كانت دينية أو غير دينية.

إن حقيقة أن الدستور السوري الذي أصدره بشار الأسد عام 2012 هو الدستور الوحيد في العالم الذي ينص على أن "الحرية حق مقدس" (المادة 33، الفقرة 1)، يعتبر نفاقا للشعب السوري والتفافا على مطالبه بالحرية في بداية الثورة السورية، إلا أن هذا لا يعني أن يتخلى الشعب السوري عن مطلب الحرية. إن حقيقة أن الدستور الإماراتي يدعو إلى بناء "حكم ديمقراطي نيابي متكامل الأركان، في مجتمع عربي إسلامي متحرر من الخوف والقلق" (ديباجة الدستور) -مع كل ما نعرفه من سياسات تتعارض مع ذلك- لا يعني أن الحكم النيابي هو خطأ أو أن تحرير المجتمع العربي والإسلامي من الخوف والقلق ليس أمرا مرغوبا ومشروعا. بالمثل، يمكن قول الشيء نفسه عن التنصيص على المرجعية الإسلامية في دساتير الدول العربية، فهو حق يجب التمسك به، مع السعي إلى تجريد هذا الحق من الاستغلال السياسي من قبل الأنظمة الاستبدادية.

هناك تجارب إسلامية ديمقراطية عملية تعتبر من أنجح الديمقراطيات وأكثرها استقرارا وحفاظا على حقوق الأقليات، كما هو الحال في ماليزيا، حيث ينص دستورها على أن "الإسلام هو دين الفدرالية، ويمكن ممارسة الأديان الأخرى بسلام ووئام في جميع أنحاء الفدرالية" (المادة 3)، وأن ملك ماليزيا هو قائد الدين الإسلامي في البلاد (المادة نفسها)، مع العلم أن نسبة المسلمين في ماليزيا أقل من نسبتهم في أي دولة عربية.

هناك اعتراض آخر يثيره البعض اليوم، وهو أن الانشغال بمعارك الهوية يصرف انتباه الشعوب عن معارك الحياة والموت من أجل الحرية. الحقيقة هي أن معركة الحرية لا تنفصل عن معركة الهوية، وأن الشعوب لا تحقق حريتها بعيدا عن هويتها، بل إن استعادة الثقة في الذات والهوية هو السبيل الأمثل لتحقيق الحرية. الحرية ليست في متناول الشعوب الجبانة المترددة التي تفتقر إلى الثقة في نفسها. إن الحرب على حرية الشعوب المسلمة اليوم مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحرب على هويتها. لقد جمع الاستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي بين الحرب على الهوية والحرب على الحرية في مجتمعاتنا، وكلاهما يسعى إلى إنتاج نمط من التدين الإسلامي المنزوع الدسم، الذي لا ينصر المظلوم ولا يردع الظالم، ولا يعبر عن أصالة الرسالة الإسلامية ووظيفتها التحريرية، بل هو مجرد مزيج من الموروثات الزهدية الزائفة التي تسربت إلى الثقافة الإسلامية من الديانات والفلسفات القديمة. ليس من المستغرب أن تكون القوى السياسية الإسلامية هي الأكثر استهدافا بالاستئصال، لأنها تحارب على جبهتي الحرية والهوية معا.

في هذا السياق، من المهم أيضا أن ندرك أن الهوية غير المهددة ليست بحاجة إلى حصانة دستورية وحماية سياسية. على سبيل المثال، الولايات المتحدة ليس لديها لغة رسمية، لأن اللغة الإنجليزية، التي تجتاح كل ركن من أركان العالم اليوم، ليست مهددة في عقر دارها. الوضع مختلف بالنسبة للعديد من اللغات الأخرى، مثل اللغة العربية اليوم. تواجه الهوية الإسلامية تهديدات وجودية تتعاون فيها القوى الدولية ذات الذاكرة التاريخية المعادية للإسلام، مع القوى العلمانية المحلية وبعض الأقليات الدينية والعلمانية التي تسعى إلى احتلال المجال الثقافي العربي وتوجيهه وفقا لتحيزاتها الدينية وأهوائها العلمانية.

إذا كان الردع الخارجي قد حمى عددا من الأقليات الدينية والعلمانية في العالم العربي من الاضطهاد والظلم، ومنحها امتيازات خاصة منذ التدخل الأوروبي في شؤون الدولة العثمانية في أوائل القرن التاسع عشر حتى اليوم، فإن غاليبة المسلمين ليسوا محصنين ضد أشكال الاعتداء والتسلط الداخلي والخارجي، وهم الذين يعانون اليوم أكثر من غيرهم من جميع أشكال الاستباحة والتدمير والتشريد. تحتاج هذه الأغلبية المسلمة إلى احترام ذاتها وإنصاف نفسها، دون الوقوع في ظلم أو إجحاف بحق الأقليات، التي تربطها بالمسلمين علاقات قوية من النسب والثقافة والتاريخ والجغرافيا. إن إنصاف الأغلبية لنفسها هو في مصلحة الجميع -أقلية وأكثرية- لأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار السياسي على حساب الأغلبية، وأي نظام سياسي يتم بناؤه على حساب الأغلبية ومنظومتها الاعتقادية والأخلاقية سيكون بمثابة بركان خامد، وبداية لحرب أهلية مؤجلة.

واجب الوقت على كل مسلم حر، في هذا المنعطف السياسي الحساس الذي نعيشه اليوم، هو التصدي لمن يستغلون حالة الإرهاق في مجتمعاتنا لفرض سوابق دستورية على حساب الإسلام. هذا هو وقت النضال من أجل ديمقراطية حقيقية تنبع من وجدان الشعوب وقيمها وهويتها، ورفض الوصاية العلمانية القسرية التي تستظل بحراب الاستبداد والاستعمار. هذا هو وقت التمسك بالمرجعية الإسلامية السمحة، التي تتسع للجميع بروحها الإنسانية الواسعة وأسسها الأخلاقية الراسخة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة